ثقافة

#صديقتي_ولكن !!

فتحية الجديدي

فتاتان يافعتان لا تفصلهما إلا نعرات المعرفة المعتقدة من إحداهما، لكن الأخرى كانت ترسم ملامح لرفقتها، بحجم طيبة قلبها، تساوي مرحلة بكل ما فيها، وترجمة لمعاناة مخفية، لتكون قوة تشع من عينها وحالة انكسار في عتمات متلاحقة. تأخذها رفيقتها على قدر ظروفها، بقساوة طبعها المتعمد، كونها تظن أنها تقطن في مساحات أكثر إشراقاً، لكنهما وضعتا بصمتيهما في قالب واحد تشكَل بوضوح، فالإصرار كان سلاح الضعيفة والتحدي كان موجودًا لدى الأخرى، التي اختارت الابتعاد لرسم خارطة معرفية، وربما البحث عن بيئة صالحة لأهدافها الجميلة..واصلت الأولى في مكانها – وكان خطؤها – أنها أعادت صياغة مفاهيمها على صداقة قديمة، واعتقدت بأنها ستكون الأمينة عليها والقادرة على فتح الصناديق الورقية القديمة وإخراج قصاصات وصور وأشياء منسوجة من صنيع تجربتيهما. تقدم الزمن ولم تر الواحدة الأخرى، وفصلتهما البحار والسحب السابحة، لكن لازالت رائحة كراسي وأبواب مكتبيهما تعبق مكان عملهما، والنوافذ الزجاجية تحمل إطلالتهما وهما يخططان لطريقة الهروب إلى مكان يستوعب أحلامهما المختلفة وتلك الاتفاقات على فضاءات بإيقاعاتهن الأنثوية، والإصرار على أن لا يجبرا على الموت داخل أقفاص المهنة، صار لكل واحدة شغفها وفيضها، إلا أن الزمن حكم بابتعادهما، ورغم وجع إحداهما وابتلائها لم تظهر الأخرى، ورغم نجاح الثانية لم تبادر الأولى باحتضان مواقفها، وخسرت الاثنتان بعضهما، وارتفع سقف المظالم واختفت الأجساد وتطايرت الأرواح إلى حين عودة المهاجرة، وزيارتها الباهتة لمقر عملهما، حيث لم تسأل عن رفيقتها، لم تبحث عن تلكما اليدين اللتين احتضنتا كوب القهوة والأوراق لها عندما كانت تستعد لتسليم عملها، لم تشتق لابتسامة حملت لها الموافقة على مرافقتها لمكان أحباه معًا ولا إلى نظرات استجواب عندما وضعها شكها القاتل في غير محله وغاب عنها للحظة بأنها ضحية طرف ثالث، لم تسعَ لأخذ رقم هاتف صديقة العمر، لترى تلك الرفيقة الذي زحف الشيب على مقدمة شعرها وتسللت خطوط العمر نحو أسفل جفنيها وتكدست الأحزان عليها التي صنعت منها امرأة مختلفة، ولم تقم بالمشي في الممرات التي تشابكت ذراعيهما ببعض وهما يوشوشان أسرارهما العاطفية وخيباتهما، وعن صديقتها التي حولتها قساوة الحياة إلى إنسانة قوية بقلب طفلة تلفها الدموع عندما تشتاق لنفسها، «يكفي أنها انتظرتك وظنت نفسها أولى اهتماماتك»، عندما تكونين بذات المكان تبلغك السلام وأن تكوني بخير. من الخطأ أن نعوّل على الذكريات وحدها ! ننتظر ما تحمله القلوب بعد انقضاء السنوات ومالها من وقع علينا، وقد يكون الخطأ أن نطرح مثل هذه الأسئلة في الأساس أمام تطلعات وطموحات كل واحد منا أو طريقتنا في فهم الآخر، عندما نقف أماكننا في الصور وتفاصيل تلك الأيام بحلاوتها ومرارتها وتحدياتها وإخفاقاتها ونجاحاتها ويبقى الرابط الروحي مع أشخاص شاركونا لحظاتنا المفرحة والبائسة .. نشتكي لهم .. نسمعهم نرافقهم في مشاويرهم الخائبة تارة والصائبة تارة أخرى، لم نسأل أنفسنا أبداً هل سنتذكرها أو ستمحوها مصالحنا وصناعة مستقبل نكون فيه راضين عن حالنا، لكننا غير متكلين على تلك الذكريات من أصلها، وبعيدون عن صداقات كانت تجمعنا يوًما، رغم بعض مساوئها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى