ثقافة

7 تشرين 1948


بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

جرف طوفان الأقصى الكثير من الأوهام، أبرزها أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأسقط الكثير من الأقنعة في مقدمتها القانون الدولي وحقوق الإنسان والحريات التي يتشدق بها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، ونزع ما تبقى من ورق التوت الميت على عورات أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي العرب وكشف ما هو معلوم من عجز وتخاذل للنظام الرسمي العربي المهزوم أبدا.

أصيب الكيان الصهيوني بحالة ارتباك غير مسبوقة يوم السابع من أكتوبر وغرق الإسرائيليون في غيابة الصدمة فسارعت الولايات المتحدة الأمريكية للإمساك بزمام الأمور وسخرت آلتها الإعلامية لشيطنة حركة حماس وجرًت أوروبا والغرب عموما إلى الاصطفاف إلى جانب إسرائيل دون قيد أو شرط قبل أن تسارع إلى نشر حاملتي طائرات وإقامة جسر جوي لتزويد قوات الاحتلال الإسرائيلي، المدججة أصلا بكل أصناف أسلحة الدمار الشامل والقتل والإبادة الجماعية، بأطنان من القنابل المدمرة الحارقة المحرمة دوليا والصواريخ الفتاكة، ووضعت الفيتو على طاولة مجلس الأمن لتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للكيان الإسرائيلي وإطلاق يديه للقتل والتدمير والحرق ومنع مرور أي قرار يدعو حتى إلى هدنة إنسانية شكلية لوقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني المنقولة على الهواء.

استسلم العالم خوفا أمام النازية الجديدة التي استنسخها الكيان الإسرائيلي وطور أساليب القتل الجماعي فيها، وانحنى للعصا الأمريكية، وعمت عيناه أمام مشاهد قصف المستشفى المعمداني وهدم الكنائس والمساجد والمدارس والبيوت على رؤوس ساكنيها والأسواق والمخابز ومحطات تحلية المياه والصرف الصحي، ومنع الماء والأكل والوقود والكهرباء على 2.2 مليون مواطن فلسطيني، وصمت أمام التهديدات العلنية الإسرائيلية بضرب المزيد من المستشفيات في سابقة لم يشهد لها العالم مثيلا، بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.

اصطفت أمريكا الإمبريالية العنصرية والغرب الاستعماري العنصري ليس لدعم إسرائيل فذلك تحصيل حاصل منذ أن زرعوها في قلب الأمة العربية عام 1948 في إطار إعادة رسم خريطة العالم بعد الحرب العالمية الثانية وأبرز عناوينها التخلص من اليهود في أوروبا، وإنما لدعم ثلاث جرائم حرب، مؤكدة بحسب الخبراء، أطلقتها إسرائيل على خلفية عملية (طوفان الأقصى)، وهي حرب التطهير العرقي وحرب الإبادة الجماعية وحرب العقاب الجماعي.

استفاق الشارع الأمريكي والشارع الأوروبي من غفوته قليلا بعد حرب التضليل والكذب التي أطلقتها الولايات المتحدة على لسان رئيسها، زعيم العالم الحر، جو بايدن، لدعم الحرب الهمجية لقوات الإحتلال وبدأ الناس يتساءلون في شوارع نيويورك ولندن وباريس وروما وبروكسيل وغيرها، هل حماية أطفال إسرائيل تتطلب إبادة أطفال غزة، هل حماية إسرائيل تتطلب قصف المستشفيات والكنائس والمساجد والبيوت والشقق السكنية وتدميرها على رؤوس من لجأ إليها من المدنيين هربا من القنابل الحارقة المحرمة دوليا التي زودت بها أمريكا حليفتها في إرهاب الدولة المنظم، وهل المستشفى المعمداني وكنيسة الأرثودوكس مقرات لحركة حماس؟

وفي خضم هذه التساؤلات الشعبية جن جنون إسرائيل ومن خلفها أمريكا من كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطوني غوتيريش، أمام الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن أمس الأول الثلاثاء، ولم تستطع واشنطن التي قتلت 1.5 مليون عراقي ودمرت العراق بكذبة أطلقها رئيسها الأسبق، جورج بوش الابن، على مرأى ومسمع من العالم، ولا إسرائيل التي بُنيت على كذبة “أرض الميعاد”، تقبًل الحقائق التي صدحت بها الرهينة الإسرائيلية، يوشيفيد ليقشيتز، التي أفرجت عنها كتائب القسام الثلاثاء، مؤكدة أن عناصر القسام عاملوها ومن معها معاملة حسنة ووفروا لها الدواء وسهروا على نظافتها ونظافة المكان الذي أقامت فيه وكانت تأكل مما يأكلون، خبزا وجبنا أبيض وخيارا، وكلمة الحق التي ساقها غوتيريش مؤكدا أنه ” من المهم أن نُدرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة”.
وبالفعل، هاجم وزير الخارجية الإسرائيلي بشدة ما جاء في كلمة غوتيريش، وذهب ممثل إسرائيل إلى حد سؤال الأمين العام عن “العالمي الذي ينتمي إليه”، وخرج عشرات المتعصبين الإسرائيليين غاضبين على الفضائيات العبرية يُنددون بالأجهزة الرسمية والمخابراتية الإسرائيلية التي سمحت بخروج المُحتجزة الإسرائيلية المُفرج عنها لتثني في مؤتمر صحفي على المعاملة الحسنة لعناصر القسام لها، ولتطير صورتها وهي ترتًب على يد أحد عناصر القسام الذي كان في وداعها قائلة له (شالوم)، إلى عالم المحبة والسلام الذي تعرفه تلك السيدة ويعرفه غوتيريش والمليارات من سكان الأرض ويُنكره الإسرائيليون المتعصبون ومن خلفهم بايدن وأركانه وقادة القارة العجوز.

لم يعد الخطاب الأمريكي الداعم للأكاذيب الإسرائيلية المصنوعة في مختبرات الموساد الصهيوني يُقنع أحدا. ولعل العالم سيحتفظ في ذاكرته بقول الرئيس الأمريكي جو بايدن على الهواء في بداية حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة إن المساعدات الإنسانية ليست أولوية وكذلك وقف إطلاق النار، وهو يُدرك وغيره من قادة أوروبا أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر (تشرين) 2023، كما أكد على ذلك الأمين العام الأممي، ويعرف أن الحل مع أحفاد الذين قتلتهم إسرائيل وهجرتهم عام 1948 يكمن في إنصاف الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والحياة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى